بين جامع الفاتح ومنبر الدراز: أزمة الوطن في الصورة

2025-03-01 - 7:06 ص

مرآة البحرين : التمييز سِمة النظام الحاكم في البحرين. رغم المؤتمرات والندوات وخطاب التعايش مع الآخر أو حوار الأديان الذي يُعاد يوميًا عبر الصحف والقنوات التلفزيونية وكلّ المنابر الإعلامية، عارُ الاضطهاد يطبع صورتهم وسمعتهم. مقابل ذلك، سياسة الإنكار وعدم الاعتراف بجسامة هذا النهج،  تبدو وكأنها دين تعتنقه الدولة التي تُعمّم على كل الجهات والشخصيات الحاضرة في المشهد العام أو لها حيثية محلية الترويج للتسامح المزيّف في المملكة. 

 

ترفض السلطة دائمًا الحديث عن أزمة متجذّرة في العمق البحريني بينها وبين فئات عريضة من الشعب. ولأنها كذلك، لابدّ من التوقّف عند مشهد متناقض تمامًا بين منبريْن في البحرين: جامع الفاتح وجامع الامام الصادق (ع) في الدراز.

 

في ختام شهر كانون الثاني/ يناير الفائت، اعتلى منبر جامع الفاتح الشيخ فريد المفتاح الذي أفرد نصف خطبته كي يُشيد بالملك حمد بن عيسى "وبانجازاته وعهده الميمون الذي تُحقّق فيه البحرين أعظم مكتسباتهم"، منوّهًا بعهده الزاخر وانجازاته في الحقوق والوطن وصولًا الى ترسيخه منظومة عدلية وقيم تسامح ديني، مُكرّرًا خطاب الغزل بالنظام ومُباركًا 25 عامًا من عمر الحاكم وتمسّكه بمبادئ الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتعايش السلمي، فضلًا عن عمله في تعزيز الوحدة الوطنية بين الطوائف في البحرين.

 

هكذا كان خطاب الشيخ فريد المفتاح. صفر تطرق إلى الوضع المحلي الضاغط. صفر ملاحظة لأزمة البلد الاقتصادية والمعيشية. 

 

في المقابل، يبرز خطاب جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز قبل أن تُعَلّق خطبة الجمعة الأسبوعية فيه. منطق أئمة الجمعة ومن يتقدّمون لاستعراض الموقف المركزي من قضايا الوطن يبدو مفصليًا والتعبير الأدقّ واقعيًا. لا مكان للتمجيد والتعظيم والانبطاح للحكم. من باب التكليف الشرعي والوطني، منبر الدراز ينقل صورة الشارع البحريني اليومي. الخطيب أكان الشيخ محمد صنقور أو الشيخ علي الصددي أو غيرهما، يتوقّف عند ملفّات تهمّ المجتمع داخليًا بالمرتبة الأولى، ثمّ ملفات عابرة لحدود البحرين.

 

عن القضية الفلسطينية والعدوان "الاسرائيلي" على غزة ولبنان، عن القدس، عن المظاهر الشاذة، عن السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي ورفض معالجة أزمة 2011 ، عن القامات الوطنية، عن تطلّعات الشعب السلمية والضرورية ولاسيّما على صعيد الاقتصاد والمعيشة، عن كلّ هذا يُسهب جامع الدراز في الحديث ليضع الإصبع على الجرح، ويشكو معاناته وما يُصادفه من مآسٍ حقيقية يعيشها البحرينيون وتغيب عن أولويات الدولة.

 

أمام هذا، المشكلة الأساسية تكمن في سياسة الإنكار. ديدن الدولة البحرينية قائمٌ على رفض إدراكها لحجم التحديات والصعوبات، تتحرّك استثناءً من خارج البلد كي تنقل الصورة الحقيقية، لا صورة شاعر البلاط - خطيب جامع الفاتح الذي يقود صلاة الجمعة هناك والذي يغيب عمدًا عن أيّ منبر يقود شكوى تجاهه. من هنا نفهم لماذا تحرم السلطة أبناء البلد من الاستماع إلى خطبة الدراز.