رداً على سوسن الشاعر : حرية التعبير بين القانون والتحريض الإعلامي

أحمد رضي - 2025-02-27 - 10:16 م

بقلم: أحمد رضي 

يُعد الخطاب الإعلامي في البحرين أداة مؤثرة في تشكيل الرأي العام، حيث يمكن أن يسهم في توعية المجتمع وتعزيز حقوق الإنسان. ولكن، قد يتحول هذا الخطاب إلى أداة تحريضية إذا تم استخدامه بشكل انتقائي أو مشوه، مما يؤدي إلى تعميق الانقسامات ونشر الكراهية داخل المجتمع. ما يجعل بعض المواطنين يشعرون بالتهديد أو التهميش إذا لم تتوافق آراؤهم مع السرد الإعلامي السائد. وفي هذا السياق، تظهر الحاجة إلى مسؤولية إعلامية حقيقية تلتزم بتقديم معلومات دقيقة ومتوازنة، للحفاظ على استقرار المجتمع وتعزيز السلم الاجتماعي.

 

 

مناقشة مقال سوسن الشاعر:

نشرت الكاتبة البحرينية سوسن الشاعر مقالًا بعنوان "باقون على عهد الإرهاب" في صحيفة الوطن (الخميس 27 فبراير 2025)، تناولت فيه ظاهرة نشر مواطنين شعار "باقون على العهد" ، أو راية حزب الله، في حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد طرحت الكاتبة تساؤلات حول معنى هذا العهد، معتبرةً أنه يمثل ولاءً للإرهاب ومعاداة للدولة البحرينية. ومع ذلك، يثير هذا المقال إشكالية قانونية وأخلاقية تتعلق بحرية التعبير في البحرين، وتحديدًا ما يتعلق باستخدام القوانين بشكل انتقائي لتجريم الآراء السياسية، وهذا يستدعي تفكيك هذا الطرح والرد عليه بمنهجية قانونية وعقلانية.

 

 

أولًا: التعميم والاتهامات المرسلة

تستند الكاتبة في مقالها إلى تعميمات غير دقيقة، حيث تساوي بين استخدام عبارة "باقون على العهد" أو وضع رمز معين، وبين دعم الإرهاب، دون تقديم أي دليل قانوني يثبت أن هذا الفعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون البحريني أو الدولي. وبدلًا من التعامل مع القضية بحياد وتحليل موضوعي، اختارت الكاتبة نهجًا تحريضيًا يصور كل من يستخدم هذه العبارات كإرهابيين محتملين. وتغفل الكاتبة أن لهذه العبارات أبعادًا دينية وسياسية متعددة، ولا يجب أن يتم اختزالها في دعم الأنشطة العسكرية، إذ ليس بالضرورة أن يتوافق مع أي نوع من العنف.

 

ثانيًا: غياب النصوص القانونية الواضحة

في الوقت الذي تؤكد فيه الكاتبة على أن هذا الفعل "يُعادي مملكة البحرين وفقًا للقانون"، إلا أنها لم تستند إلى مادة قانونية بحرينية أو دولية تثبت أن مجرد استخدام شعار أو عبارة معينة يشكل جريمة إرهابية. كما أن القوانين الجزائية تقوم على مبدأ "لا جريمة ولا عقوبة بدون نص"، وهو ما يعني أنه لا يمكن اعتبار أي تصرف جريمة ما لم ينص عليه القانون بوضوح. على سبيل المثال، المادة (23) من الدستور البحريني تنص على أن "حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة"، مما يعني أن التعبير عن الرأي السياسي أو الديني محمي دستوريًا، ما لم يتجاوز الحدود القانونية المحددة.

 

من جانب آخر، يثير قانون الإرهاب في البحرين، الصادر بموجب القانون رقم 58 لسنة 2006، جدلاً حول مدى مشروعيته وتوافقه مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ففي الوقت الذي تبرره الحكومة بأنه ضروري لمكافحة الإرهاب وضمان الأمن، ترى منظمات حقوقية أن القانون يحتوي على تعريفات فضفاضة يمكن استخدامها لتجريم حرية التعبير والمعارضة السياسية. كما أن بعض مواده، مثل العقوبات المشددة وإجراءات الاحتجاز، قد تتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مما يجعله محل انتقاد دولي ومثار جدل قانوني بشأن توافقه مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.

 

 

ثالثًا: التناقض في تفسير حرية التعبير

تدعي الكاتبة أن هذا الفعل لا علاقة له بحرية التعبير، مما يتناقض مع المبادئ الأساسية في القانون الدولي، حيث أن حرية التعبير تشمل المواقف السياسية والدينية، حتى وإن كانت مخالفة لمواقف الدولة، ما لم تشمل تحريضًا مباشرًا على العنف. وتكفل المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه البحرين، هذا الحق في التعبير عن الرأي السياسي والديني، شريطة عدم التحريض على العنف.

 

 

رابعًا: اللغة التحريضية والإقصائية

من الملاحظ أن الكاتبة استخدمت لغة غير مهنية في مقالها، حيث ابتعدت عن النقد العقلاني ومالت إلى استخدام أسلوب تحريضي. على سبيل المثال، استخدمت عبارات مثل "بصق في هذا الإناء" و"هل لمثل هذا الكائن عهد أصلاً" و"هل لديه شرف"، هذه العبارات تخرج عن المعايير الصحفية وتعتمد على الإهانة الشخصية بدلاً من التحليل الموضوعي، مما يسهم في تعزيز الانقسام داخل المجتمع البحريني. كما تلمح الكاتبة إلى حرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية مثل العمل والسكن والتعليم، متجاهلةً أن الحقوق الإنسانية تتجاوز الامتيازات المادية لتشمل الحقوق السياسية والحرية في التعبير، وهي حقوق مكفولة بموجب الدستور والقوانين الدولية التي تمنع أي تمييز أو انتقاص من كرامة الإنسان.

 

 

خامسًا: استغلال تصنيف حزب الله سياسيًا

تتطرق الكاتبة إلى أن البحرين أدرجت حزب الله ضمن قائمة الإرهاب، ثم تبني على ذلك استنتاجًا بأن أي شخص يستخدم عبارة "باقون على العهد" هو بالضرورة يُعاهد الإرهاب. هذا التفسير يتجاهل الفروقات بين التصنيفات القانونية والسياسية. فبينما تصنّف بعض الدول حزب الله كمنظمة إرهابية مثل الولايات المتحدة وبعض دول الخليج، تُميّز معظم الدول الأوروبية بين الجناحين السياسي والعسكري، معتبرةً الجناح العسكري فقط إرهابيًا. وفي المقابل، لا تصنّفه روسيا والصين كمنظمة إرهابية، كما أن جامعة الدول العربية شهدت تغيرًا في موقفها في 2024 بإلغاء تصنيفه ككيان إرهابي.

 

لذلك من المهم التأكيد على أن المعايير الدولية لا تجرّم الأفراد بناءً على آرائهم السياسية بل بناءً على أفعالهم، حيث يشترط وجود دعم مادي مباشر أو تحريض واضح على العنف لإثبات تهمة دعم الإرهاب. مما يجعل الاتهامات الموجهة إلى من يستخدم هذه الشعارات غير قانونية دون إثبات تحريض أو دعم مادي للإرهاب.

 

وشهادة للتاريخ، لا يمكن تجاهل الموقف الإنساني لحزب الله وأمينه العام حين وقف مع الشعب البحريني ودعم حقوقه وحرياته الأساسية، كما أدان جرائم القتل والتعذيب والانتهاكات الحقوقية التي وثقها التقرير الرسمي للجنة بسيوني. هذا الموقف كان مدعاة للمطالبة بالإصلاحات الشاملة التي تفتقدها البحرين، وهو الأمر الذي يناقض التصور الأحادي الذي تقدمه الكاتبة. إذ تبرز هذه النقطة كمؤشر على أن المواقف السياسية لا ينبغي أن تكون محكومة بتصنيفات انتقائية بل يجب أن تُدرس في سياقاتها الإنسانية والسياسية.

 

 

سادسًا: تهديدات غير مبررة

تحاول الكاتبة تخويف المواطنين بأنهم قد يتعرضون لمشاكل أمنية دولية عند السفر، بسبب استخدامهم لهذه العبارات، بينما الواقع القانوني الدولي لا يدعم هذا الادعاء، حيث إن التعامل مع قوائم الإرهاب يختلف من دولة إلى أخرى، ولا توجد آلية قانونية دولية تفرض معاقبة الأفراد بسبب تعبيرهم عن رأي سياسي أو ديني، ما يتضمن تحريضًا مباشرًا أو تمويلًا للإرهاب. وكمواطنين نحن محميون بالدستور والقوانين الدولية الذي تكفل لنا حرية التعبير، حتى وإن كانت آراؤنا تتناقض مع مواقف السلطة، ما لم تتجاوز الحدود القانونية التي تحظر التحريض على العنف والكراهية.

 

 

الخلاصة: الدفاع عن سيادة القانون وليس الانتقائية السياسية

ما تقدمه الكاتبة في مقالها هو توظيف سياسي للقوانين وليس دفاعًا عن أمن الدولة. الخلط بين الرأي السياسي والجريمة والترويج لخطاب تحريضي يعزز الانقسامات بدلاً من الاستقرار. بينما النهج الصحيح في التعامل مع هذه القضايا يجب أن يكون قانونيًا وحقوقيًا، وليس تحريضيًا. إذا كان هناك أي سلوك يشكل تهديدًا للأمن، فيجب التعامل معه وفق القانون وليس وفق تصنيفات سياسية وإعلامية غير موضوعية تُستخدم لتشويه الحقائق وتبرير الإقصاء.

 

ختامًا، من الضروري أن يكون الخطاب الإعلامي عقلانيًا ومتزنًا، محترمًا للدستور وحقوق الأفراد الأساسية، وألا يتم استخدامه كأداة للتحريض أو بث الكراهية. وإذا كان هناك أي تهديد حقيقي لأمن الدولة، فإن القانون هو الفيصل، وليس المقالات التي تشوه الحقائق وتستخدم لغة التخوين والإهانة.