هل يقود "عبد النبي الشعلة" مشروع "تكسير عظام الشيعة" بنسخته المحلية؟

مرآة البحرين - 2025-02-25 - 2:43 م

ربما تجد السلطة في البحرين نفسها أمام فرصة مؤاتية إقليمياً نتيجة التطورات التي تمر بها الحرب بين محور المقاومة والكيان الصهيوني، للضرب في جسد المواطنين الشيعة، حتى لو على المستوى الإعلامي، كجولة جديدة من جولات الانتقام العديدة التي تمارسها ضمن مسار طويل وتاريخ متقيّح من الخصومة المفتوحة بينها وبين المكوّن الشيعي الأصيل. 

 

وضمن هذه القراءة لمتغيرات جيوسياسية عميقة فرضتها الحرب، يرى فيها المحور الصهيوأمريكي -الذي تنضوي تحته حكومة آل خليفة- نفسه منتصراً على محور المقاومة، ربما يشكل رئيس مجلس إدارة صحيفة البلاد، "عبد النبي الشعلة"، خياراً مناسباً للسلطة للقيام بمثل هذه المهمة القذرة! 

 

الرجل له تاريخ طويل مع السلطة، كان وزيراً للعمل في تسعينيات القرن الماضي وموالياً وفيّاً، رجل أعمال ليبرالي متحرر وتشفع له شيعيته لممارسة هذا الدور، كبديل عن جريدة الأيام التي يقودها "نبيل الحمر"، المستشار الإعلامي للملك، أو جريدة الوطن، وكلتاهما تمثلان وجه الديوان الملكي الإعلامي، لكن المشكلة أن الصحيفتين ورقة محترقة تماماً لدورهما السابق في القيام بنفس الوظيفة.

 

 

ما المختلف هذه المرّة؟

لا شك أن السلطة تعلمت الكثير من تجارب سابقة كانت لا تجد حرجاً بتكشير أنيابها على الشيعة، خصوصاً تجربة ما بعد عام 2011 التي شكّلت مصدر إدانة حقوقية ودولية، نتيجة "خطاب الكراهية" الفاقع الذي استخدمت فيه كل أدوات التشويه والسباب والشتيمة بشكل غير مهني وغير أخلاقي، ومثّل انحدارة فضحت السياسات الحكومية. 

 

وبالإضافة إلى ذلك، فالظروف الحالية لا تسمح للسلطة بممارسة نفس الدور السابق على نحو مكشوف، وهي تمرّ بمرحلة من ترميم السمعة دولياً ومحلياً تحتّم عليها الالتزام ببعض المعايير الجديدة، ولو بالحد الأدنى، لكن المتابعين للشأن المحلي، ومعهم شريحة كبيرة من المجتمع البحريني، يعرفون جيّداً، أن شيئاً من موقف السلطة تجاه الشيعة لم يتغيّر، وربما اشتدّ عمّا كان عليه في عام 2011 نفسه. 

 

أين يقف "عبد النبي الشعلة"؟ 

في ظل هذه الظروف، يمثل "عبد النبي الشعلة" خياراً ناعماً لتمرير العديد من مشاريع السلطة، وبالعودة لأدواره القريبة السابقة، فقد صدّرته السلطة في ملف التطبيع لكسر التابو الإعلامي، وقد شكّلت وقاحته وجرأته الكبيرة ما يقترب من الصدمة لا صدمة كاملة، فالرجل بدى متحمّساً أكثر من السلطة من أجل هذا المشروع، وقد استضاف "السفير الصهيوني" في صحيفته للقيام بما يراه لقاءً صحفياً روتينياً، وشارك في احتفالات السفارة الصهيونية بمناسبة قيام إسرائيل! 

 

وأثناء قيامه بهذا الدور أو بعد ذلك بقليل، برز الرجل في ملف "السفارة" كواثب بسيفه عليها، وكأنه وجد أن المذهب الشيعي في خطر الآن وعليه أن ينقذه، لذلك كتب مجموعة من المقالات حول الأمر، وتقدّم بصحيفته لتكون حاضنة للمناهضين. 

 

كان الأمر يشبه "كلمة حقّ يُراد بها باطل"، فالرجل لا ينطلق في تحركاته من خلفية بريئة، كما لا يأتي من خلفيته المذهبية، ذلك أنه غير متدين أساساً، وإنما يأتي بخلفيته الولائية للسلطة بشكل مطلق، خصوصاً بالرجوع لتاريخه الطويل معها. 

 

وعلى الرغم أن ملف "السفارة" ليس جديداً على الساحة، لكن افتعاله بشكل مفاجئ مجدداً عقب تطبيع السلطة مع الكيان الصهيوني في 2020، شكّل ما يشبه القنبلة الاستباقية التي ترميها الحكومة في وجه المكوّن الشيعي لإشغاله بصراعٍ جانبي، أو إثارة الغبار في وجهه لإلهائه بنفسه! 

 

ووسط هذه الزوبعة، كان دور "عبد النبي الشعلة" هو إذكاء كلمة الحق من أجل باطل السلطة، وصبّ الزيت في النار لتزيد اشتعالاً. 

 

هل يبدو الأمر بعيداً عن المنطق؟ 

لا يبدو كذلك، فلم ينتهِ الرجل عند هذا الحدّ، وبدى مؤهلاً لممارسة أدوار أخرى لا تخلو من نعومة سابقتها في ضرب المكوّن الشيعي، وهو يستقطب في صحيفته المتردية والنطيحة لمهاجمة المقاومة، وتغذية الهزيمة النفسية، ومؤخراً ضمّ ضمن قائمة كتابه أولئك، "المفجوع" ضياء الموسوي، ليُكمل مسيرته التهويشية في الصحافة بإثارة المزيد من الغبار حول مواضيع "ولاية الفقيه"، والعلماء، والخمس، وبشكل لا يمت للبحث العلمي أو الثقافي بصلة. 

 

وفي هذا الأمر بالتحديد، ربما لم يدرك "الشعلة" لحدّ الآن، أنه وقع في خطأ إداري فادح بتجنيده "ضياء الموسوي" في صحيفته، فضح عليه مشروعه المستور في قيادة مشروع السلطة الإعلامي الناعم، فالأخير ورقته محترقة، وهو أقرب للأرجوز من الكاتب المحترم، بالإضافة إلى حماقته التي يخفيها تحت الأسطر المنمقة التي يكتبها، والتي قد تحرق "الشعلة" معه!

 

من أين يأتي مشروع "تكسير الشيعة"؟ 

لا تبدو الأمور هادئة إعلامياً على المستوى الإقليمي، فالمحور الصهيوأمريكي الذي يأخذ حضوره في الماكينة الإعلامية الخليجية والعربية على شكل إثارات متتالية وحملات مركّزة على الشيعة في المنطقة، بما لهم من تأثير محوري واضح وجليّ على مجريات الحرب، فالجميع في هذا المحور يجدون أن جبهة المقاومة تستمد قوتها من المرجعية الشيعية، والمال الشيعي، والدعم الشيعي، على  الرغم من المفارقة التي وجد هؤلاء أنفسهم أمامها من خلال ذوبان المقاوم السني في جبهة واحدة مع المقاوم الشيعي، إلا أن معرفتهم بالدور الشيعي الأبرز والمتمثل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يضع هذا المحور أمام تحدي واضح المعالم والهيئة، ولا مفر من مواجهته. 

 

وإعلامياً، يأخذ هذا المشروع أشكالاً مختلفة ومتعددة، إما على شكل مواجهة حادّة ومكشوفة، وإما على شكل مواجهة ناعمة وخفيّة، فهي تحاول تارة صبّ جام غضبها على الشيعة وتلقينهم درساً قاسياً، وتارة بإذكاء مشاعر الإحباط مما حدث خلال الحرب، وتنشيط بيئة التلاوم وإلقاء مسؤولية الأخطاء على طرف هنا أو طرف هناك، أو إيقاظ "الأنا الشيعية" للنأي بها عن القضية الفلسطينية التي هي قضية شعب سني لابد أن يقبل بالأمر الواقع، ولا شأن للشيعة به، خصوصاً وأن هذه القضية تلحق أضراراً بوجودهم وبمقدساتهم وبمرجعياتهم وشخصياتهم الكبيرة. 

 

من هذه الخلفية، يلعب "عبد النبي الشعلة" دوره الجديد في "تكسير عظام الشيعة" بنسخته المحلية، ويقود واجهة "الديوان الملكي" الجديدة على المستوى الإعلامي، وهو بدرجة بالغة من السوء لا يخفي أمامنا "تمردغه" في محبة السفارة الصهيونية، إلى الحد الذي يجعله يقدّم لنا انبهاره بالتفوق الإسرائيلي كرؤية استراتيجية من بنات أفكاره، ثم يدعونا لتعلّم "اللغة العبرية" من أجل مدّ الجسور! 

 

ولذلك جاءت مقالاته الأخيرة في هذا السياق وكأنما يقدّم لنا قراءة تاريخية ادّعى خلالها أن أئمة أهل البيت (ع) إنما كانوا يمهدون الطريق نحو "مبدأ الفصل بين الدين والسياسة"، من خلال نصحهم للعلماء الشيعة بالاكتفاء بالدور الروحي والرئاسة الدينية فقط، وأن الإمام الخميني اخترق "نظرية الانتظار" بثوريته العبثية، والنتيجة لكلّ إثاراته هذه، علّبها لنا على شكل مغالطات مفضوحة، وقصور في القراءة التاريخية والروائية والفكرية، خلص فيها على المكشوف، أنّ مواجهة "إسرائيل" عملية خاسرة وبعيدة عن العقيدة الشيعية للأئمة، زجّت بها إيران المنظمات والفصائل الشيعية في محرقة هالكة!