التعليق السياسي: الحوار وتقرير المصير
2012-08-04 - 8:24 ص
الحلّ السّياسي في البحرين ممكن، ولكن النّظام غير قادر على التّعايش مع أيّ حلّ سياسيّ ممكن. في مثل هذه الحالات، يتم التّفكير في الحلول الأخرى. بالنسبة للنّظام، الخيار الذي اعتاد عليه هو الحلّ الأمني وعسكرة البلاد. الكلفة الماديّة عالية جدّاً، لكن النّظام ليست لديه مشكلة هنا. هو على استعداد لدفع فاتورة مفتوحة من النفقات على العتاد العسكري، واستجلاب المرتزقة، ولكنه غير مستعد للتّعايش مع المواطنين في ظلّ دولة مدنيّة تقوم بالعدل والديمقراطيّة. إذا كان كذلك، فما معنى الحديث المتكرّر عن الحوار؟
لم يهتم النّظام بشيءٍ أكثر من إضاعة الحوار الجدي وتشويه صورته في ذهن النّاس. اقترن الحوار بالمصائب والمكائد، وبات النّاس يتشاءمون حين يسمعون دعوةً للحوار من رموز النّظام، هذه الدّعوة التي تكون في الغالب مسبوقة أو ملحوقة بإعادة تظهير وتلميع ولي العهد في مشهد الأحداث، وكأنّ أحداً من الجمهور أو المعارضة لازال يؤمّل فيه خيراً أو يراه الفارس المنقذ؟!
لكن، منْ يصدِّق النّظام أصلاً؟ أحرقَ المارقون بأيديهم كلّ المراحل، وتجاوزوا – بلا هوادة – خطوط الرّجعة، كلّ خطوط الرّجعة. وإلاّ، بأيّ وجهٍ يمكن أن يجلس النّظام على طاولةٍ واحدة مع منْ تصفهم صحفه كلّ يومٍ بأبشع الأوصاف؟ هل يمكن أن يقبل المشير بالشّيخ علي سلمان؟ وقبل كلّ ذلك، هل تتجرّأ المعارضة – بعد كلّ ما حصل – على القبول بحوارٍ لا يكون فيه عبد الوهاب حسين وإبراهيم شريف والشيخ محمد علي المحفوظ – مثلاً - ممثّلين بأشخاصهم في وفد المعارضة؟! والسؤال الذي يجب أن يدور في رأس المعارضة: ما مصير منْ يهرول، كلّ مرةٍ، إلى السّراب، وهو يعلمُ جيداً أن النفق مُظلم، والطّاولة مغشوشة؟ بعد كلّ ما فعلَ النّظام، هل يستحقّ مبادلته بالغزل "العفيف" ورسائل الرّضا الخجولة؟ هل سيقبلُ النّاس الأعذار والتبريرات والتخريجات مراراً وتكراراً؟ هل تسلمُ "الجرّة" كلّ مرة؟
النّظام والمعارضة كلاهما يعرفان أنّ الشّعب لم يعد كما كان. النّظام غير قادر على التّفاهم مع النّاس في الشّوارع والميادين، بغير لغة الموت وباستخدام وسيط المرتزقة الغارقين في الفظاعة. وهذا يعني أنّه فقدَ صلته ومحبّته بمنْ يُقرِّر مصير الجميع. النّظام يعترف بأن النّاس تكرهه. تنشر الصّحف يومياً قضايا في المحاكم لمتّهمين بالتجمهر وكراهية النّظام. فكيف يمدّ النّظام يده إلى هؤلاء؟ هو ليس بغبيّ، ولا وقت لديه لإرضاء جناح معتدلٍ يملك قدراً من التعقّل، لأنّ النّظام كلّه جناحٌ واحد، بريشٍ كثير خشنِ الملمس. فلماذا، إذن، يُناوِر في أوقاتٍ يكون فيها مشدوداً بلا خجل نحو التّدمير وإراقة الدّماء؟ يفعلُ ذلك لتحسين الصّورة، ولكي لا يُحرج حلفاءه في الدّاخل والخارج. يحتاج النّظام أن يتقنّع بالرّحمة وحقوق الإنسان، وأن يلبس قفازاً حريرياً. هو بحاجةٍ لذلك لسببٍ بسيط. ليس غير الوجه القبيح منْ يبحث عن الأقنعة، وليس غير الأيدي الملطّخة بالدّماء منْ تندسّ في القفّازات. بمثل ذلك، يمكن الإجابة على كلّ أسئلة الحوار. كلّما بلغ النّظام مستوى ممجوجاً من البطش، والانتهاك، والافتضاح، كان أحوج ما يكون لاستراحةٍ من هراء الحوار. هنا يأتي دور ولي العهد تحديداً.
ماذا عن المعارضة؟ هي قطعت الأشواط الأهم، وليس عليها أن تخسر الأشواط الأخيرة. الوضع العام في المنطقة مليءٌ بالمفاجآت، ويمكن أن تتبدّل المعادلة في آخر لحظة، فـ"لا مكان للتّراجع" هو شعارُ المعارضة الذي سيكون موضعاً للاختبار الحقيقي في الفترة القليلة القادمة. وهي في مثل هذه الحال، من الأفضل لها أن تلتقط التقدّم الذكي الذي وصل إليه الحراك الشّعبي، والمتمثل في شعار "تقرير المصير"، فهو يعبّر عن الخلاصة الأكثر مقبوليّة بين أطياف المعارضة المتعدّدة، وهو يختزل المطلب والوسيلة والضمانة، إضافة إلى كونه الأقرب إلى لغة العالم المتحضّر والمجتمع الحقوقي الدّولي.