مرآة البحرين ( خاص):ليلة الجمعة الماضية، كانت هناك خطبة مثيرة واستثنائية ألهبت حماس الجماهير التي حضرت مهرجان الجمعيات "القرار للشعب"، وتفاعلوا معها كثيرا. أثارت الخطبة شعارات الجماهير الغاضبة كثيرا، وتصفيقها الحار، وأعطتهم دفعة كبيرة في الصمود والتحدي. كانت النبرة حزينة وصادقة ومؤثرة، وكانت اللهجة "محرقية"![1].

تعمد يوسف قدرت أمر الله، نائب أمين عام جمعية الإخاء الوطني أن يتحدث بلهجته العامية، لجذب أنظار الجماهير إلى المحرق، وأهل المحرق، بدأ بالقول "لا بد أنكم منذ زمن لم تسمعوا اللهجة المحرقية، فقد فرقوا بينكم وبين أحبابكم، لا بارك الله فيهم"رغم أنه مثقف من طراز رفيع، لكن "قدرت" كان عفويا وتحدث بلغة بسيطة، إلا أن خطابه أوصل ببلاغة عالية رسائل سياسية واجتماعية غاية في الأهمية، وكان نوعا من التجديد ليس في اللهجة والأسلوب فقط ولكن حتى في الموضوع.بعد يومين، ومن مقبرة المحرق، اختطف قدرت في مشهد درامي، اصطادته عدسة الكاميرا. الشخص الذي صوّر الحدث كان يصرخ "لقد اعتقلوا ذلك الرجل الذي خطب ليلة الجمعة!!"ماذا قال قدرت، حتى يختطف من "المحرق" جهارا نهارا وأمام عدسات الكاميرا؟

يوسف موالي: غرق السلطة

من أهم فقرات خطاب قدرت التي استفزت السلطة، هو ما قاله عن الشهيد يوسف موالي، ولذلك فليس من قبيل المصادفة أن يختطف ويعتدى عليه في تشييع الشهيد نفسه.

حيّا قدرت والدي الشهيد لوقوفهم "وقفة صمود وثبات، ورفضهم استلام جثمان الشهيد إلا بتقرير صادق يحدد سبب وفاته الصحيح" وسخر من تقرير وزارة الداخلية الذي ادعى أن الشاب توفي غرقا.

وتحدث قدرت عن تجربته مع الشهيد الذي ينتمي إلى المحرق أيضا، وقال "ذهبنا للمشرحة، ولم يسمحوا لنا برؤيته. سألت الضابط: إذا كان مات غرقا، فلماذا لا تسمحون لنا برؤيته؟ تعلل لنا بالإجراءات"ثم  علق ساخرا على ذلك " أنتم رأيتموه في الصور: هل من المعقول أن شخصا مات غرقا لا ينتفخ جسده وليس فيه علامات الغرق؟ أريد أن أعرف إلى أي درجة هذه السلطة غبية؟ أريد أن أسأل ما هو تخصص مستشاريها؟  هل هم مستشارون سياسيون أم للديكور فقط؟"

مسجد بربغي أقدم من الأسرة الحاكمة

كان قدرت الذي يتحدث للجماهير لأول مرة، منفعلا وأراد أن يبث الألم الذي عاشه مع هذا الشعب وأن يعبر لهم كم كان ثباتهم وصمودهم محيرا ومثيرا للإعجاب والدهشة."حقيقة هناك أسئلة تشغلنا، نحن والقوى السياسية، طوال هذه الأشهر كنا نسأل "أنتم لم تتعبوا؟!! في يوم تجمع، وفي يوم آخر مسيرة، من كرزكان إلى سترة إلى كرانة وإلى دار كليب، ألم تتعبوا من كل هذه المشاوير، وإذا قالوا لكم إن التجمع غير مرخص تذهبون بأعداد أكبر، يعني مستعدون للمخاطرة؟" صراخ الجماهير كان يرتفع تجاوبا مع قدرت، كان يحدثهم ويجيبونه.

يضيف قدرت "المسألة للأسف ليست فقط مسألة تعب، فحتى السجن سجنوكم وحتى التعذيب عذبوكم والقتل قتلوكم وأرزاقكم قطعوها، أليس هذا كاف لكي تتنازلوا؟ أو تخفضوا مطالبكم قليلا؟" لااا الجماهير ترتفع مجددا، وسط صرخات "يسقط حمد"وصل فيهم حقدهم إلى هدم المساجد، ومآتمكم التي يذكر فيها اسم الحسين هدموها، بيوت الله هدموها ولم يخافوا، فما بالكم ببيوتكم ماذا سيصنعون بها؟ المضحك أنهم يقولون إن المساجد هدمت لأنه ليس لها إجازة، أريد أن أسأل تاريخ مسجد وضريح أمير محمد البربغي أقدم أم تاريخ الأسرة الحاكمة في هذه الديرة؟

لو كان علماء اللغة حاضرين لبدلوا كلمة الصبر إلى "بحراني"

يتابع قدرت حديثه الممتع والصريح بكثير من السخرية "حتى الخيانة خونوكم، مرة يقولون إن لديكم أجندات خارجية، ومرة يسمونكم صفويين ومرة مجوس، ومرة أبناء العلقمي وأخرى أبناء التتار، وهذا زعيمكم الشيخ علي سلمان يسمونه جنكيز خان!"وحتى الشباب الذين يدافعون عن مناطقهم، سموهم لوفرية حزب الله فقط لأنهم يكبرون الله، إلى أين وصلت دناءتهم؟ هل تتهمونا بأننا من حزب الله؟ نحن نفتخر بأننا من أنصار حزب الله... لأن رجالهم مثلكم (مشيرا إلى الجماهير) صابرون محتسبون، ونساؤهم مثلكن لبؤات محتسبات.

أنا أقول لو كان علماء اللغة العربية عاشوا في زماننا هذا وبالتحديد في 14 فبراير 2011، ورأوا كيف نكل بهذا الشعب وأثكلت نساؤه وانتهكت فيه كل الأعراف، ثم رأوه كيف خرج من هذه المصيبة في أقوى حال وثبات وصبر لبدلوا هذه الكلمات إلى "بحراني" أنتم شعب بإذن الله منتصرون، والله لا يخذل شعبا مثلكم.

لأنهم حمقى وأغبياء ولا يعرفون لغة الشعوب

يتابع قدرت نقده الحاد للسلطة ويقول "الغريب في الأمر، أن لا السلطة تريد أن تفهم الواقع، ولا الذين يسيرون حولها، فمثلا بعد أن قامت السلطة بكل حملاتها الإعلامية الظالمة، والكاذبة والمفبركة ضدكم، وبعد أن فشلت في إقناع العالم كل العالم بأكاذيبها لجأت لإرسال وفود للخارج لتشويه صورتكم وثورتكم الطاهرة.وبعد كل هذه الرحلات المكوكية اعترفوا بهزيمتهم، ولكن ماذا قالوا: قالوا إن المعارضة أنشط منا وإن لديهم قواعد جاهزة.

فهل من المعقول أننا بإمكانياتنا المتواضعة، نستطيع أن نكسب تعاطف العالم، وهم بإمكانياتهم الكبيرة لم يتعاطف معهم أحد، أم لأنهم حمقى وأغبياء لا يعرفون لغة الشعوب.هم تحدثوا بلغة العصور الوسطى، لغة العبد والسيد ولغة الراعي والغنم، ونحن تحدثنا بلغة تسمى لغة الأحرار لغة الكرامة لغة العز ولهذا كانت النتيجة أن سكان الكرة الأرضية السبعة مليارات وقفوا معنا وهم من وقف معهم هم التكفيريون الطائفيون والمتمصلحون إخواني وأخواتي الأعزاء... نحن نراهن على ثباتكم وهم يراهنون على يأسكم واستسلامكم، فردوا عليهم ثابتون ثابتون حتى تحقيق المطالب...

التمييز العنصري انقرض من العالم عدا البحرين

هم يتهموننا بعدم الولاء، أقول لهم اسألوا أجدادكم عن أجدادنا، واسألوا آباءكم عن آبائنا، واسألوا أنفسكم عنا، ألم نكن طول هذا الزمان وطوال هذه السنين نواليكم ونطيعكم في كل شيء؟ فماذا كانت النتيجة، النتيجة إقصاء وتهميش وأننا صرنا مواطنين من الدرجة العاشرة!احسبوها حسبة بسيطة، انظروا نسبة المناصب العليا في الدولة، من وزير إلى مدير، ترون أنه توزيع طائفي و مبني علي المحسوبية بامتياز، فالشيعة لا يشكلون ولا حتى 5% من هذه المناصب، رغم كثرة عددهم، نحن لا نريدها أن تكون محاصصة طائفية، ولكننا نريدها أن تكون على حسب الكفاءة والإنصاف.

هل تعلمون أيها الجماهير أن التمييز العنصري انقرض من هذه الدنيا، كانت آخر  دولة تنتهجه هي دولة جنوب أفريقيا، لكن دولتنا التي تدعي العالمية والوطنية، لا زالت تمارس التمييز العنصري والطائفي، فالشيعي لا يستطيع أن يشتري عقارا في الرفاع ومناطق أخرى ولا يستطيع أن يبني مسجدا أو مأتما في أي مكان في البحرين.أليس هذا تمييز وظلم؟ كيف تريدون من هذا الشعب أن يمنحكم ولاءه وأنتم تهينونه في كل لحظة؟يا سلطة: الولاء هو للأوطان، وللذي يخدم الأوطان، ويقيم العدل فيها، وليس لغير هذا، ليس للذي يظلم وليس للذي يقصيني ويهمشني، وليس للذي يهينني صبحا ومساء عبر أجهزته الأمنية والإعلامية.

أدغال أفريقيا أقامت دولا وجمهوريات

يا جماهيرينا الأبية... يقولون إننا لم نصل للآن إلى سن الرشد، ولا نصلح أن نؤسس مملكة دستورية، لماذا؟ لأن كل شيء يجب أن يتم بالتدريج حسب قولهم! بالله عليكم، الذين يعيشون في أدغال أفريقيا وغابات الأمازون، أقاموا دولا وجمهوريات والشعب هناك يتحكم في مصيره، ونحن للآن؟نحن شعب دلمون شعب أوال الذي يشهد لنا الكل بتقدمنا ورقينا وأننا نملك أفضل الشهادات نسبة لعدد السكان، وأن نسبة الأمية عندنا تقارب الصفر كما تقر الحكومة نفسها.

هل تريدون أن يتصرف الشارع بنفسه؟

حقيقة لا أعرف هذه السلطة كيف تفكر؟ فبينما العالم كل العالم بمنظماته يحثها للقيام بإصلاحات جذرية، هي تقوم بعكس هذا تماما، وتقوم بالتصعيد على كل الجوانب الأمنية منها والإعلامية والقضائية وغيرها.إذا نظرنا إلى الثورات العربية عندما قامت الشعوب ضد الأنظمة وانتفضت ضدها، فسنجد أن الأنظمة تحت الضغط قدمت تنازلات، إلا هذا النظام، فإنه يوما بعد يوم يتعنت أكثر وأكثر.

في الأسابيع الماضية، ولأكثر من مرة، نقدم إخطارا لمسيرة أو تجمع، ووزارة الداخلية لا تسمح لنا، أنا أسألهم أنتم ماذا تريدون؟ إذا لم تسمحوا للجمعيات السياسية أن تنظم  مسيرات وتجمعات تكون تحت قياداتها أكثر انضباطا، فهذا يعني أنكم تريدون استفزاز الشارع وأن تجعلوه يتصرف ويتحرك بنفسه ، وحين ذاك ذنبكم على جنبكم!أقول للسلطة... إن الأنظمة العربية يحسدونكم على هذه المعارضة التي لديكم. لا أعتقد أنكم ستحصلون على معارضة أفضل من هذه، سقفها جدا منخفض وجدا معتدل.. أنا أنصحكم أن تضعوا أيديكم بأيدي المعارضة، حتى تخرجوا من هذه الورطة التي ورطتم أنفسكم وإيانا فيها.

شكرا لكم... شكرا لكم...شكرا لكم... تتعالى صيحات الجماهير محيية يوسف قدرت، ثم يختطف!  

1. نسبة إلى جزيرة المحرق، وهي مدينة تقطنها إثنيات متعددة (شيعة، سنة، عرب عجم، هولة) لكنهم جميعا يتكلمون العربية الدارجة بلهجة واحدة.