أيقونة الصورة
2012-01-12 - 10:04 ص
مرآة البحرين(خاص): الرجل الذي وقف في وجه الدبابات أثناء المظاهرات المطالبة بالديمقراطية التي شهدتها الصين منتصف عام 1989 وصفوه بأنه أشجع رجل.. وقف معترضاً طريقها لتقف معه على مدى التاريخ كل الإرادات الساعية للتغيير، فقد شكلت صورته بفرادتها حالة أيقونية تضخمت معها صورة الرجل المجهول، الذي غاب بعد هذا المشهد ولم نعلم عن سيرته شيئا.
انتهت الواقعة التي استطاع عدد من مصوري الوكالات التقاطها من غرف الفنادق المحيطة بالمكان ولم تنته سلطتها على ذاكرة الصورة في توظيفاتها السياسية، قد لا يملك الجيل الشاب في الصين ذكرى مشتركة مع هذا الحدث، لكنها –أي الصورة- قادرة على التمرئي في كل مرة تخرج فيه للعلن، في كل مرة تغادر فيه الإرشيف تهبها التوظيفات أنماطاً مغايرة في الحضور.
وبرغم التباعد الزمني، تجتاز بنا الذاكرة كل تلك المسافة ونحن نطالع تلك المفارقات والمشتركات بين الحضور الهادر لهذه الفتاة في مواجهة سرب الأمن الراكب والراجل، وبين ذلك الرجل الثائر الذي حملته الصورة في لحظة هدوء وسكينة وهو يترك شهادته الأخيرة للتاريخ..هذه المقاربة لا تضع كل ثقتها في الصورة، ولا عين المصور، ولكنها تتكئ على القوة التي يمنحها التكوين والتأطير والتوقيت لهذا المشهد الذي يهبنا القدرة على سماع الأصوات فهي جزء من الأثر الذي تخلده الصورة في ايحاءاتها.
لن نرى في مشهد الرجل الثائر إياه أثراً للعسكر، ولا حركة في محيط الحدث، غير أن كل تلك الأشياء غير الموجودة تجعلنا نرمم ذاكرة الصورة المفقودة في أذهاننا، نخترع سياقاً يحفظ للحدث قيمته، ودلالته، فنبدأ بالبحث في حدود الاحتجاجات التي عمت ساحة تيانانمن، ومطالعة أفعال العسكر في تلك الحقبة وما تلاها...الأمر مختلف، لكنه متشابه في آن، فثراء الصورة الأولى في فقرها، بينما الصورة الثانية تستند إلى قوة التفاصيل ووفرتها (الأحذية المتناثرة في مقدمة الصورة وعبوات الغاز الملقاة، ووضعية التصويب...) ثمة إحالات صريحة ومباشرة في صورة الفتاة تساهم في تثبيت دلالات الصورة، خاصة في لحظة التلقي الحاضرة والتي تمثل حال تماس مع الحدث مباشرة بخلاف الصورة/الوثيقة التي تذهب عميقاً في دفاتر الذاكرة.
بتعابير أهل الصورة، كلا الصورتين يحتمل الطبيعة الأيقونية التي تمنح الصورة خلوداً وامتداداً في الحياة، لا لأنها واقع لا يتكرر، وإنما لأنها حدثت وأحدثت حولها خطاباً أو ممارسة أو نمطاً من التوظيف الذي يضمن لها ديمومة الحياة، وأعتقد أن هذه المرأة لو أنصفها الوقت لكانت النظير لذلك الرجل، ولحملت وصف أشجع امرأة، فليس بالضرورة أن تسقط حكومة، لكن يكفيها أن تسقط صوراً أخرى كانت أكثر تسلط على أذهان الناس، صورة المرأة، وصورة القوة التي تمثلها الشرطة، وصورة المصورين الشجعان في هذا البلد.