الإعلام السياسي في البحرين: من "الجداريات" والمنشورات إلى المنتديات
2012-01-07 - 12:42 م
مرآة البحرين(خاص): ما إن دخلت تقنية الإنترنت البحرين في منتصف التسعينات حتى استعملها ناشطون على قدر عال من التعلم، في رفد النشاط السياسي المتصاعد وقتها. تشير منظمة Freedom House في تقريرها عن "الحريات على الإنترنت" في البحرين إلى أن "أحد المستخدمين اعتقل في عام 1997، لقيامه بإرسال معلومات إلى المعارضة في الخارج باستخدام الإنترنت، في أول حالة من نوعها".
كان المعني بهذه الإشارة هو الدكتور محمد السهلاوي، طبيب الأسنان، الناشط السياسي وعضو مركز البحرين لحقوق الإنسان، إلى جانب السهلاوي، تعرض علي عبد الإمام مؤسس ملتقى البحرين (بحرين أون لاين) إلى التعذيب الوحشي في سجون سرية تابعة لجهاز الأمن الوطني الذي أثبت تقرير لجنة تقصي الحقائق أنه كان أداة السلطة في جرائمها الفاحشة خلال الفترة الماضية.
لم ينته مخاض التسعينات إلا والتحضيرات على وشك أن تكون جاهزة للمرحلة الجديدة. في عام 2001 وبينما كانت المعارضة السياسية في وادي "ميثاق العمل الوطني" ومخاضات المصالحة، كانت هناك طاقات مبدعة تعمل في واد آخر، على ابتداع آلية جديدة للمجتمع في التعاطي مع الشأن السياسي.
في الوقت الذي لم يكن أحد يعرف فيه معنى "منتدى افتراضي" كان تدشين أول منتدى بحريني وهو ملتقى البحرين "بحرين أون لاين" حدثا بارزا ليس في عالم التقنية فحسب بل في عالم السياسة داخل المجتمع.
بعد ملتقى البحرين، لن يكون حال الرمز والقيادي في المعارضة أحسن حالا من السلطة، سيكون الجميع مكشوفين أمام نيران المواطن العادي الذي لن يصلح أن نسميه المواطن البسيط. يشارك الجميع في المنتديات بعيدا عن سلطة الحزب والرمز، ما فتح جبهات لنقد عنيف للمعارضة والنخب السياسية والدينية. يقول رئيس جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان في إحدى خطب الجمعة تعقيبا على اعتقال مؤسسي بحرين أون لاين "أنا أكثر شخص أنتقد في الملتقى" لكنه مع ذلك يعتبر ذلك أبرز ثيمة لحرية التعبير في المجتمع.
لم يذهب البحرينييون للمنتديات كي تعيش أحلامهم وأفكارهم في مجاز، وبشكل مبكر جدا، فاض المنتدى الأول "بحرين أون لاين" بتأثيره لينتقل من العالم الافتراضي إلى الواقع بل ويرسمه ويوجهه أيضا. لم تكن المنتديات لدى البحرينيين عالما افتراضيا فقط!
تلمست السلطة تأثير هذه الأداة الخطيرة جدا على الوضع السياسي، رغم أنه كان مستقرا جدا، ولم يكن فيه أدنى حراك مناوئ على الأرض، بعد مقاطعة الجمعيات السياسية للانتخابات في 2002 وتحول المرحلة من الإصلاح إلى الحرب الباردة مع النظام، إثر انقلابه على الدستور الشرعي بإصداره دستور منحة مخالف لبنود "الميثاق" وبإرادة منفردة، في 14 فبراير 2002.
عدة نشاطات وفعاليات انطلقت من الملتقى وقت الحاجة، وأخذت طابع "المنظم المجهول"، مثال ذلك الاعتصام المطالب بالإفراج عن مؤسسي الملتقى في 2005، والمسيرة الضخمة المطالبة بالحرية للناشط عبد الهادي الخواجة في 2004 – والتي أشارت إليها إحدى وثائق ويكيليكس*- لكن التحفز للخروج إلى الواقع من العالم الافتراضي بهذا الشكل المباشر لم يكن كبيرا، وعليه ظهرت تسميات نقدية لأعضاء المنتديات على شاكلة "أبطال الكيبورد".
في 26 يناير 2011، كتب أحد الأعضاء المتخفين تحت اسم وهمي هو "صاحب الأحبار" مشاركة غيرت مجرى التاريخ في البحرين، قال فيها:
"الشعب المصري من أهم الامور التي استفاد منها بعد الثورة في تونس هو أن جعل لنفسه تاريخ معين وهو 25 يناير، وتم تعميم هذا الخبر شعبياً على الفيس بوك و تويتر والمواقع الاجتماعية والمنتديات، وكرسوا هذا التاريخ لانطلاقة ثورتهم ضد النظام .نحن كشعب البحرين مدعوين لتحديد تاريخ مناسب ويتم تعميمه شعبياً بجميع الوسائل المتاحة ولتبدأ الثورة في البحرين.
فلا كرامة من دون دماء .. الدم ينتصر على السيف .. لا بد للشعب أن يقدم الأضاحي لكي يورث للأجيال القادمة مستقبلا أفضل من هذا الذي نعيشه ..شاركونا باقتراحاتكم .. وبإذن الله سوف ننتصر" .
بعد أيام تحول المنتدى فعلا إلى أصل تسميته، ساحة عمومية، لكنه انتقل تماما من عالم الافتراض ليكون على الأرض، وكانت "ساحته" الشهيرة "دوار اللؤلؤة" مركز الاحتجاجات التاريخية في البحرين.
كانت الظروف مؤاتية جدا لانطلاق ثورة اللؤلؤة من ملتقى البحرين، فهو الملتقى الذي تأسس على أنقاض مرحلة سياسية مهمة هي انتفاضة التسعينات، وشكّل بناؤه خلال هذه العشر سنوات طفرة نوعية في النشاط السياسي الإلكتروني، وضخ الحياة في الشأن السياسي على الدوام ودون أدنى انقطاع.
وكان الظرف الزماني مؤاتيا هو الآخر ليتوّج جهد المجتمع الذي بذله في كل هذه السنين، فقد كانت قضية 25 (من بينهم مؤسس الملتقى) وما عرف بالأزمة الأمنية قد بدأت قبل ذلك بشهور، وكذلك كان الربيع العربي قد وصل بمداده إلى سواحل الخليج.
عاد الملتقى للواجهة بتأسيس وبمتابعة حدث 14 فبراير. خلال فترة بقاء المعتصمين في الدوار، كان بحرين أون لاين وبقية المنتديات في أقل مستويات التفاعل، كانت الحركة كلها في دوار اللؤلؤة، وكانت خارقة مستفيضة.
مع ذلك، فخلال تلك الفترة، كانت هناك المنتديات التي تتبع القرى أو بعض الجهات الأخرى، والتي يحتل الشأن السياسي عادة مواضيعها الرئيسية رغم توجهها الاجتماعي والمناطقي. كان لهذه المنتديات دور مهم جدا في ترويج وتعميم كل الأفكار والمشاريع السياسية التي تستجد، ليتأكد وصولها إلى أبناء كل منطقة بشكل مباشر.
أخذت هذه المنتديات من بحرين أون لاين الكثير، وأعطته الكثير، وصار هناك تناغم واضح. مع بداية الثورة، أسس كل منتدى قسما خاصا بثورة 14 فبراير، وكانت بعض المنتديات تبث التجمع الجماهيري في الدوار على الهواء مباشرة، وبعد حملة القمع صار لملتقى البحرين والمنتديات أهمية أخرى ومهدوا لانتقال آخر في الحراك السياسي على الإنترنت.
في بدايات حملة القمع، صار هناك في كل منتدى وعلى رأسها ملتقى البحرين، موضوع يومي متجدد تحت عنوان "الأحداث والأخبار اليومية للثورة- اليوم ...". كان ذلك بديلا عن برامج التواصل السريع بالمسجات القصيرة المتوفرة في أجهزة بلاك بيري، وآي فون، والتي كان لها دور كبير في نشر الأخبار والتطورات وقت حدوثها فورا.
لكن الناس كانوا يخافون كثيرا من استخدام هواتفهم النقالة في استلام وإرسال المسجات وقتها، ليس فقط خشية أن يكونوا مراقبين، بل لأن هذه الأجهزة قد تصادر في أي لحظة وأنت في الشارع، فيما ستكون أنت في انتظار محكمة عسكرية على "رسالة" أو "مقطع صوتي" كان في جهازك، بتهمة التحريض على كراهية النظام، كما حصل مع الكثير من المعتقلين والمعتقلات.
تعرض مشرفو المنتديات إلى حملة انتقام ممنهجة واسعة، وكان هناك مخطط واضح لتتبع كل اسم يظهر بأنه مشرف أو مؤسس في أي منتدى يكفي أنه كان "محجوبا" من قبل وزارة الإعلام ليكون موضع اشتباه وتهمة. لا أحد من الأمن كان يتابع كل هذه المنتديات بالطبع، ولا أحد في الأمن كان على معرفة بدور ونشاط هؤلاء المشرفين، كانت الحملة انتقام من كل ما هو تقني، ومن كل ما أحضر السياسة إلى الإنترنت، ليربيها ومن ثم ينقلها إلى قلب العاصمة، ماردا لا يقاوم.
يؤكد تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة الذي أصدر حديثا أن العشيري وزملاءه تعرضوا لوجبات من التعذيب بشكل مستمر، وأنهم كانوا يقضون كل وقتهم معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي وأنهم أجبروا على الرقود على البطن.
وبحسب ما ورد في التقرير، فذات صباح، بدت على زكريا أعراض الهلوسة أو الاضطراب، حيث كان يطرق على الباب ويصيح باسمه، وصاح الحراس فيه ليهدأ، وحين لم يفعل، دخلوا الزنزانة، وقاموا بضربه دون رحمة، حتى سمع صراخه كل الموقوفين، وينقل التقرير عن أحد الشهود قوله "سمعت بعد ذلك ضجيجا، وخمدت أنفاسه بعدها" ويضيف "ثم سمعت شرطيا باكستانيا يقول بلغة الأوردو: لقد مات".
كان ذلك في 9 إبريل 2011، وقبلها في 16 مارس 2011، اختفى تماما مؤسس ملتقى بحرين أون لاين علي عبد الإمام، حكم على "عبد الإمام" غيابيا بالسجن 15 عاما في القضية الرئيسة التي نظرتها المحاكم العسكرية المشكلة لقمع الثورة وكل من له صلة بها، ضمت هذه القضية 21 قيادي وناشط اتهموا بالوقوف خلف تحرك 14 فبراير والتحريض عليه وتدبيره، رغم أن أكثر من نصفهم كانوا في السجن وقت التخطيط للتحرك والقيام به، بما فيهم علي عبد الإمام نفسه.
كان واضحا أن ضم علي عبد الإمام في هذه القضية جاء استمرارا في الانتقام منه على تأسيسه أهم نقلة نوعية في نشاط الإنترنت السياسي وهو منتدى بحرين أون لاين، رغم أنه ابتعد عن إدارته منذ سنوات، بل لم يعلم بأن الملتقى كان مصدر انطلاقة ثورة اللؤلؤة، إلا أن السلطات التي تتابع الملتقى منذ يومه الأول تعلم جيدا أنه كان رائد النشاط السياسي على الإنترنت لأكثر من 10 سنوات.
منذ عام 2002 وبحرين أون لاين مع عشرات المنتديات محجوب داخل البحرين. لا أحد كان يستطيع الدخول على "الملتقى" بشكل مباشر، ولكن عشرات الحيل والالتفافات التقنية قاومت هذا الحجب، وقللت من شأنه تماما. اضطرت الحكومة إلى شراء نظام تقني ضخم بمبالغ هائلة لتقوية عملية الحجب، وأصدرت قانونا به، تطلب فيه من كل صاحب موقع أن يأخذ ترخيصا قبل إنشائه تحاشيا للحجب!
* دخل ملتقى البحرين عالم ويكيليكس في البرقية المسربة رقم MANAMA 000281 – وجاء في البرقية المرسلة من السفير الأميريكي عقب اعتقال علي عبد الإمام ما يلي" الشيعة "الرافضة" الذين هم أكثر تدينا، تشددا، وتشكيكا في حركة الإصلاح في البحرين، من أكثر التيارات في المجتمع الشيعي" وذلك في إشارة إلى نوعية المشاركين في الملتقى على ما يبدو، وقالت البرقية أيضا "غرفة دردشة المشاركين تميل إلى التشكيك في دوافع الملك، ولي العهد، ورئيس الوزراء، منطلقة من موقف أساس هو أن الشيعة في البحرين سوف يتعرضون للتمييز طالما عائلة آل خليفة السنية تحكم البلاد" وبالإشارة إلى دور المنتدى في تنمية النشاط السياسي قالت البرقية "لعب الموقع دورا في تنظيم مظاهرات لعبد الهادي الخواجة أثناء اعتقاله في خريف عام 2004، وساهم في الموقف المتصلب الذي أبداه أنصار الخواجة ضد صفقة للإفراج عنه تحفظ ماء وجه الحكومة" ونقلت البرقية عن أحدهم وصفته بأنه محلل شيعي صادق وجاد قال عن عبد الإمام ومناصريه "إنهم متطرفون".