زينب الخواجة: من دوار اللؤلؤة... إلى فضاء تويتر
2012-01-07 - 10:24 ص
مرآة البحرين(خاص): في السجن، يأتي الضابط للناشط البحريني المعروف عبد الهادي الخواجة ليسأله عن رأيه في بعض القضايا بطلب من جهات عليا، يرفض الخواجة أن يتجاوب، يلجأ الضابط لاستدراجه، هل تريد أن ترى ماذا تقول ابنتك في تويتر؟ يسكت الخواجة، ليس لديه حساب في تويتر!
يطلب منه الضابط أن يجلس على كرسيه ليستخدم حسابه الشخصي الذي كان فعلا يتابع فيه "زينب الخواجة" وما تكتبه على تويتر. يجلس عبد الهادي يقرأ كل ما كتبته ابنته زينب مندهشا. ينتهي، يطلب منه الضابط إذا أحب أن يقرأ أيضا ما يكتبه صديقه المقرب وزميله الناشط الحقوقي نبيل رجب، فيفعل.
المصريون: ملهمو تويتر
قصة تويتر، في النشاط السياسي على الإنترنت في البحرين، لا تبدأ عند زينب الخواجة، ولا تنتهي عند نبيل رجب. لكن زينب هي من أكثر الشخصيات الحاضرة على تويتر تأثيرا، على المستوى المحلي والدولي. "لولا وجود تويتر، لأحسست أنني لم أعد أستطيع أن أفعل شيئا" تقول زينب.
فتحت زينب الخواجة حسابها في تويتر في 3 فبراير 2011. قالت إنها كانت غاضبة "شعوبنا العربية كلها كانت تعيش في الظلم، وتقبل به، وذلك كان يصيبني بالغضب والقهر" سمت زينب نفسها في تويتر "العربية الغاضبة @AngryArabia" ووضعت صورة كايركاتيرية لفتاة غاضبة، لأن وجهها هي لا يحمل ملامح الغضب الذي تحس به.
تختصر زينب الكثير الكثير من تجربة تويتر لدى البحرينيين في ثورة 14 فبراير. هي كانت هناك منذ البداية. قبل الثورة كانت مهمة تويتر عند زينب هي أن تعيش فرح سقوط الرئيس المصري حسني مبارك مع المصريين، فرحتها بسقوطه كانت أكبر من أن توصف. تقول "كنت أتابع المصريين فقط لأقرأ ماذا يقولون، ماذا يكتبون، كيف يحتفلون، كيف يعبرون عن فرحهم" وتضيف "هم فقط من كان سيفهم إلى أي درجة أنا سعيدة، الفرح الذي في داخلي نفس فرح المصريين حين استطاعوا التخلص من مبارك".
يأتي دور زينب الآن في أن توظف تويتر لصالح الحراك الداخلي الذي بات يومه قريبا جدا. قبيل 14 فبراير كان عدد من لديهم حسابات في تويتر من البحرين قليل جدا، كانت زينب سعيدة جدا بأن عدد متابعيها وصل 50. حضرت زينب النقاشات التي كانت تدور حول اختيار المكان الملائم للتجمع المركزي في 14 فبراير، واقترحت على سبيل "المزاح" دوار اللؤلؤة، لكنها تفاجأت أن هناك من كان فعلا قد وضعه كخيار أول.
كانت الدعوات للتظاهر في 14 فبراير غالبا تنتشر في المنتديات وصفحات موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي وغيرها. تويتر كان غالبا يسحب من الفيسبوك.
في يوم 14 فبراير كانت زينب في جزيرة سترة التي شهدت مظاهرات تريد الخروج للشارع العام والتوجه نحو دوار اللؤلؤة، كانت تنقل للناس أحداث التظاهرات التي هناك مباشرة وبالصور، حدثا بعد حدث، وخصوصا الاعتداء على المتظاهرين. كان ذلك سريعا جدا وغريبا، من هنا بدأت تنقلب معادلة تويتر!
تويتر صار شعبيا أكثر، لأنه عملي جدا للثورات، فيسبوك مهيء لشخص يجلس مستريحا في بيته، تويتر يعطيك المعلومة بشكل سريع ومختزل في 140 حرفا فقط وبدون تأخير. إرفاق صورة، ووصف للحدث، ثم "كليك" والعالم كله سيعرف "الآن".
النشاط كان محدودا على تويتر والتجاوب قليل، ولكن عدد المتابعين بدأ يرتفع إلى مئات. بعد تمكن الناس من الاعتصام داخل دوار اللؤلؤة لمدة شهر تقريبا، كانت زينب تنقل ما تراه أمامها من فعاليات الدوار وأنشطته.
لاحظت أن هناك متابعين أجانب، من أمريكا، نيوزلندا، أستراليا، أفريقيا، جذبتهم حركة الدوار، ومهتمين بما يحدث فيه، ويريدون أن يعرفوا بالضبط ماذا هناك؟ والجواب كان من عند زينب بالصور: مظاهرات، خيام، رسوم، ندوات، خطابات، والقائمة تطول.
كان الوضع هناك جميل جدا ولفت أنظار العالم وإعجابه. كان العالم على معرفة بما يجري في الدوار قبل دخوله، وطوال اعتصام الناس فيه، كان من الصعب خداعهم بعد ذلك. ربما وصل عدد متابعي زينب قبل ضرب الدوار في 15 مارس إلى حوالي 2000.
البحرين تستغيث #SOS(1)
في بداية يوم 15 مارس، اليوم الذي هاجمت فيه قوات الظام اعتصام دوار اللؤلؤة، كانت زينب في منزلها الذي يقع قريبا جدا من محل الاعتصام. كانت تسمع صوت "صراخ" في الشارع، من هول الصوت لم تصدق أنه يأتي من الشارع فعلا. خرجت زينب ومعها والدها الناشط الحقوقي المعتقل عبد الهادي الخواجة، كان هناك دبابة تقف عند قارعة الطريق، ومسلحون.
قام المسلحون بإطلاق النار على شخص حاول التظاهر حينها في الطريق، أو خرج متوجها للدوار. كان هناك متظاهر يتحدث إلى الجندي الذي يصوب سلاحه نحوه ليستعطفه ويسأله "ماذا فعلنا لكي تقتلوننا؟" جاء عبد الهادي وتقدم أكثر نحو الجندي وخاطبه "كيف ستذهب إلى عائلتك وقد يتمت أطفالا وقتلت إخوانك في الوطن، إن لم نكن أهلا؟!"
الجندي هزه كلام الخواجة الذي استمر في الحديث رغم تهديد الجندي بأنه سيطلق على الجميع الآن إذا لم يتفرقوا، أنزل الجندي سلاحه فجأة، وتحدث إلى الناس بسماعة مكبرة للصوت، وقال للخواجة "لا أريد أن أقتل أحدا، وأعرف أننا أهل وإخوان، ولكن هذه هي الأوامر التي لدي، فلا تجبروني عليها". الضابط الذي كان خلف الجندي عرف أنه لن ينفذ الأوامر، حضرت بشكل عاجل قوات المرتزقة الأجنبية وأطلقت على الفور رصاصها، أصيب الخواجة في يده ووجهه وتراجع.
في هذه الأثناء كانت زينب مع والدها أمام الدبابة، كان الهاتف في يد زينب وهي تقوم بنقل كل هذه الأحداث عبر تويتر لتضع الناس في الصورة دقيقة بعد دقيقة. حين رجعت البيت سألت والدها ما العمل؟ فقال "أليس لديك هاتفك؟ اكتبي للعالم". [1] SOS
على الفور، رجعت زينب لهاتفها مجددا، وكتبت للعالم "شعب البحرين يستغيث، لقد هجموا على الدوار والمدن والقرى، الكثير من الجرحى والقتلى، والمستشفى محاصر #SOS #HELP #BHARAIN".
"منذ ذلك اليوم أحسست كثيرا بقوة تويتر، بل أحسست أن تويتر يمنحنا القوة" تقول زينب، ليس هناك داع للعناوين في تويتر، وللمقالات التفصيلية، هناك أحداث منقولة أمام وجهك مباشرة بصراحة، يتم تحديث تطوراتها أمامك وكأنك موجود هناك وتعيش الحدث.
إنهم يخشون تويتر
"كلما حدث أمر ما فأول شيء يأتي على بالي هو أن أكتبه على تويتر، وبذلك أحس أنني أقوم بعمل ما وتصرف إزاءه" تقول زينب، كان ذلك يرفع صوت الثورة عاليا من غير تأخير، وكانت زينب لا تغرد إلا بالإنجليزية! "لو لم لم يكن لدي تويتر ماذا كنت سأفعل، هل سأتصل بصحفيين وأنتظر اهتمامهم؟ ثم أن يقرروا الكتابة؟!" في تويتر، كانت زينب هي نفسها تستطيع بسهولة وبدون أي تأخير إيصال صوتها وصوت الثورة للخارج وفورا...
على يد والدها عبدالهادي الخواجة |
سحبونا إلى الأعلى وأغلقت علينا الغرفة. هنا انتهى الأمر ولم أعرف كيف أذهب لأبي، كيف أحميه؟ ليس لدي أي تصرف أو إجراء يمكن أن آخذه؟ كان الشيء الوحيد لدي أن أذهب إلى تويتر وأجعل العالم يعرف ماذا حدث لأبي؟ عندما غادروا فتحت تويتر مباشرة، وقمت بنقل كل ما حدث. لم أبك، ولم أنظف حتى المكان من الدماء.
من هذه الزاوية تنتقد زينب سلوك البعض في المظاهرات، وتأثير تويتر السلبي عليهم "أنا ضد أن يرى أحد ما اعتداء أو ضرب، ويقوم بالتغريد عنه بدلا من أن يقوم عمليا بأي شيء لإيقافه" وتضيف "إذا شاهدت أحد المتظاهرين يضرب لن أكتفي بالتفرج ونقل الحدث في تويتر، سأذهب إلى هناك وسأحاول عمل أي شيء له أولا"!
في المحكمة العسكرية التي يحاكم فيها والدها يمنع إدخال الهواتف، حين تخرج زينب تروي كل ما حدث داخل المحكمة للعالم أجمع. في جلسة النطق بالحكم يحطم والدها حالة الخوف والتوجس التي تملأ القاعة، صارخا بثقة "سنواصل النضال حتى تحقيق مطالبنا المشروعة" وعلى الفور تهتف زينب "الله أكبر"، تسحب فورا من القاعة وتعتقل، فيبدأ هاش تاج #FreeAngryArabia بالظهور لأول مرة.
ثم كان دوار زينب الخواجة |
في 20 ديسمبر 2011، أفرج عن زينب الخواجة بعد أن اعتقلت للمرة الثالثة بعد مشاركتها في فعالية "احتلوا شارع البديع"، كان آخر ما كتبته في تويتر "أعتصم الآن في أحد الدوارات على شارع البديع". بعد قليل نقل تويتر إلى العالم أجمع فيديو وصور زينب وهي تسحل وتجر في الشارع بطريقة مهينة جدا لاعتقالها. تخرج الخواجة من السجن، بعد 6 أيام، أول تغريدة لها هو نفس شعارها الذي واجهت به الشرطة وهي معتصمة "يسقط حمد".
تعرّف زينب بأنها ناشطة في حقوق الإنسان، وابنة ناشط معتقل، لكن التعريف الجديد الذي يضاف إليها هي أنها "مغرّدة" يصل عدد متابعي زينب الآن إلى 27 ألف متابع، اضطرت لفتح حساب آخر "بالعربي". تصلها ردود وتجاوبات من مختلف أنحاء العالم، في إحدى المرات قامت مغردة برازيلية بالاتصال بشركة تصنيع قنابل غاز مسيلات الدموع والاعتراض على بيعهم البحرين هذه الأسلحة، يقوم المصنع بإصدار بيان يوضح فيه موقفه، كل ذلك بناء على ما يرد في حساب زينب الخواجة في تويتر من معلومات وحقائق.
تأخذ عن زينب العديد من وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الدولية، ويكتبون عنها شخصيا كذلك. تصدّر نبأ اعتقالها وصورتها صحيفة الواشنطن بوست. تظهر في اليوم نفسه في تقرير مصور للصحفي العالمي نيك كريستوف الذي كان على اتصال بها بسبب تغريداتها في تويتر، فاختار أن تكون مرافقته أثناء زيارته للبحرين.