ما بعد 14 فبراير: مطالب متنافرة وإرادات سياسية متناحرة
2012-01-01 - 5:38 م
مرآة البحرين(خاص): خلقت الثورة التونسية أوضاعا عربية محفزة للتغيير، كانت تتجه في جميع الأقطار نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، ذلك أن أنظمة الحكم التي هيمنت على الواقع العربي افتقدت لأبسط أسس الحكم الرشيد.
تفجرت الأزمة غربا في تونس، كان كثيرون يستبعدون أن تتجه نحو الشرق، إلا أن التحليلات الجيوسياسية التي ارتكزت على علاقات الجوار المصري-الاسرائيلي وما يمثله نظام حسني مبارك من ضمانة لأمن اسرائيل وعملية السلام، سقطت أمام الإرادة الشعبية المصرية.
ظنت أروقة الحكم العربية ورعاتها الغربيون أن آخر المفاجئات حدثت على ضفاف النيل، وأن المياه تبدو راكدة في الخليج الدافئ، الذي يسبح على آبار النفط التي تختزن نحو 80 في المائة من طاقة العالم.
لقطع الطريق على أية دعوات للغضب الخليجي، بادر شيوخ الإمارات الصغيرة إلى توزيع الهبات والعطايا بشكل استثنائي. كانت البحرين من بين الدول التي أعلنت عن منح ألف دينار لكل عائلة بحرينية لاعتراض دعوة تم إطلاقها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بإعلان 14 فبراير يوما لغضبٍ بحريني.
جاء الرد في مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية على رشوة القبيلة : "لا ألف ولا ألفين موعدنا يوم الاثنين". بالفعل كانت المناطق البحرينية ومنذ صباح الاثنين 14 فبراير، ذكرى إصدار الملك الدستور المنحة، قد انطلقت في تظاهرات وتجمعات استجابة للدعوة.
كان بيان يوم الغضب البحريني الذي أطلقته مجموعة شبابية على الشبكة العنكبوتية يدعو إلى كتابة دستور جديد، بالإضافة إلى إنشاء هيئة مفوضة شعبيا تعمل للوصول إلى توافق ومصالحة وطنية، تمر عبر البت والمحاسبة في التعديات على الثروات العامة والتجنيس السياسي، وضحايا الأمن من معتقلين ومعذبين، بالإضافة إلى الفساد.
لا تبدو هذه المطالب جديدة على الشعب البحريني ولا العائلة المالكة، كان الاثنان يعرفان أن تلك المطالب تسير باستمرار جنبا إلى جنب مع الزمن، وأن العائلة كانت ولا زالت تلعب على عامل تضييع الوقت وتمييع المطالب.
ورغم أن الثورة البحرينية شهدت تحولات كبيرة وخطيرة، كان يُراد منها أن تغير القوى المعارضة مركزها في التفاوض نحو تغيير نوع التحول المطلوب، إلا أن مطالب المعارضة استمرت في إطار الدعوة إلى التحول نحو الديمقراطية بشكل جاد.
سقط الشهيد علي مشيمع في الديه مساءً ليتبعه فاضل المتروك صباح اليوم التالي. بدا وكأن الدماء ترسم طريقا أحمر نحو اللؤلؤة. هذا ما حصل فعلا، سيطر الآلاف على دوار اللؤلؤة في قلب العاصمة المنامة بعد تشييع المشيمع في عصر الثلاثاء.
كانت كرة الثلج تتدحرج جماهيريا بعد الخميس الدامي وجمعة عبدالرضا بوحميد. الجمعيات السياسية المعارضة تصيغ رؤى للحل تمر عبر لجنة تأسيسية لكتابة دستور ديمقراطي وتفعيل ما نص عليه ميثاق العمل الوطني، من حكم ملكي دستوري على غرار الديمقراطيات العريقة، وهو السقف الأقل بين الثورات العربية، فيما بدا أن سقوفا أخرى بدأت ترتفع.
السقف الأقل، لكنه استنفر من استنفر. كان رجْعُ مطالب المعارضة في دوار اللؤلؤة، يُسمع في مسجد الفاتح بالجفير: "لنا مطالب"... مطالب لائتلاف جمعيات دينية موالية وشخصيات مستقلة بذات الاتجاه، بعد أن أعلن ولي العهد مبادرة لحوار وطني شامل.
تلا رئيس التجمع الوليد أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة البحرين المعارض السابق عبداللطيف المحمود مطالبه: لا تمكنوا من يريد الشر للوصول إلى مآربه، والتأكيد على شرعية نظام الحكم.
أعرب المحمود عن أسفه لأرواح المواطنين التي أزهقت، وطالب بمحاسبة المتسببين، كما دعا الحكومة، في سياق مقطوع، إلى الإفراج عن جميع سجناء الرأي. وقال المحمود أن المشروع الإصلاحي ليس نهاية المطاف، وأن الدعوة إلى الإصلاح مستمرة.
وفيما يشبه قطع الطريق على حلول لا تضمن موافقة تجمعه قال المحمود: إن أي مطلب وطني لا يمكن إقراره والاستجابة له دون توافق عليه من جميع مكونات المجتمع.
على الجانب الآخر بدأت المعارضة وولي العهد فتح قنوات اتصال مباشرة للدفع بعملية حوار جدية تفضي إلى حلول... اتصالات سرية، لقاءات غير معلنة، نوايا لولي العهد لزيارة مركز الاعتصام المفتوح باللؤلؤة!
تجمع الفاتح
كل ذلك غير معلن، ما هو معلن أن تجمع الوحدة الوطنية برئاسة المحمود الذي أسف على أرواح الضحايا، في التجمع الأول في 21 فبراير، عاد في 2 مارس ليطالب السلطات بتطبيق قانون التجمعات للحفاظ على النظام العام.
وقال مخاطبا الملك: الشارع يطالب بإرجاع الأمور إلى نصابها وتطبيق القوانين الخاصة بالتجمعات والمسيرات على الجميع، داعيا لإزالة مظاهر الاعتصام في السلمانية أيضا.
رفض تجمع الوحدة التعديلات الوزارية التي دفعت إلى توسيع حصة الطائفة الشيعية في حكومة خليفة بن سلمان الذي يرأس الوزراة منذ 4 عقود. وصف عبداللطيف إسناد الإسكان لمجيد العلوي والصحة لنزار البحارنة والكهرباء لعبدالحسين ميرزا والعمل لجميل حميدان، بأنها ذات وقع سيء على مناصريه.
هاجم المعلمين والأطباء، وجميع المهنيين الذين استجابوا لدعوات الإضراب، وطالب باستبدال المقصرين ومحاسبتهم. وصحيح أنه طالب بسرعة إجراء الحوار مع ولي العهد دون شروط إلا أنه اشترط عدم إقالة الحكومة لبدء الحوار.
الحوار الذي بدا وكأنه يتقدم بدفع دولي، أعلن ولي العهد بعد زيارة وزير الدفاع الأميركي إلى البحرين أن استفتاءً شعبيا سيجري حول أي تغييرات مقترحة، ومن ثم أصدر ديوانه ما بات يعرف بـ "النقاط السبعة" كأساس للحوار.
مجلس نواب كامل الصلاحيات، حكومة تمثل ارادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة، التجنيس، محاربة الفساد المالي و الاداري، أملاك الدولة ومعالجة الاحتقان الطائفي، هي المبادئ السبعة التي أعلن عنها ولي العهد السبت 12 مارس ليلا.
لكن الأجواء في صبيحة الأحد لم تكن أجواء حوار، وإنما كانت أجواء حرب، هجمت الشرطة على المعتصمين أمام المرفأ المالي، بينما كان مجموعة من الأمن بلباس مدني، وعصابات مدعومة من أقطاب في العائلة الحاكمة يهاجمون جامعة البحرين.
لا مكان للعقل، يبدو أن النظام حسم خياره: الآن يبدأ الحل الأمني الإقليمي، وبغطاء دولي من الحليف الأميركي. دخلت قوات سعودية بلواء درع الجزيرة، رفضت المعارضة ورحبت الموالاة، تم الإعلان عن حالة السلامة الوطنية... الحكم اليوم للعسكر.
استمر البطش لأشهر، كان الهدف تغيير مراكز التفاوض، لكن جماهير المعارضة بدأت تستعيد عافيتها. وبدأت مع انتهاء "حالة السلامة الوطنية" تعلن نفسه مجددا. لا مكان للتراجع، تظاهرات تجمعات مهرجانات: نحن في الشارع ومطالبنا رغم القمع لا زالت.
وثيقة المنامة
وبعد ثمانية أشهر "12 أكتوبر" تمكنت جمعيات معارضة "الوفاق، وعد، التجمع القومي، التجمع الوطني، الإخاء الوطني" من صياغة رؤية موحدة لمطالبها تحت مسمى وثيقة المنامة، جددت فيها المطالبة بحكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية، ونظام انتخابي عادل يتضمن دوائر انتخابية عادلة، وسلطة تشريعية تتكون من غرفة واحدة منتخبة، وتنفرد بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية والمالية والسياسية، وقيام سلطة قضائية موثوقة مستقلة، بالإضافة إلى أمن للجميع.
لم تخلق آلة القتل معادلة جديدة، بقت المعادلة كما هي معارضة تطالب بالإصلاح الدستوري والتحول نحو الديمقراطية والمساواة، في مواجهة نظام يعمل على تكريس الدكتاتورية والفصل الطائفي.
وثيقة الفاتح
بين هذا وذاك تقدمت ثلاث جمعيات موالية "المنبر الإسلامي، الأصالة الإسلامية، التجمع الدستوري" انشقت عن تجمع الوحدة الوطنية، بورقة أسمتها وثيقة الفاتح تعرض فيها رؤيتها للحل.
شرعية نظام الحكم، مكافحة الفساد، إصلاح القضاء، محاربة التمييز بكل أشكاله، رفض العنف واستغلال الأطفال، والوحدة الخليجية الاتحادية.... هذه وثيقة الفاتح التي وصفها عضو تجمع الوحدة الوطنية المحامي عبدالله هاشم بالمبتذلة.
إذن، رؤى متباينة للحل، اقتربت شكليا على مستوى وثيقة المنامة والنقاط السبع لولي العهد، لكن إرادات سياسية متضاربة لا زالت تتجاذب القرار السياسي. مطالبات كثيرة طرحتها قوى متصارعة، اختلفت وثائقها وأطرها لكنها تبقى متسقة مع الاتجاهات التاريخية لتلك القوى.
فبينما تطالب قوى المعارضة بامتداداتها التاريخية تعزيز المشاركة السياسية عبر إصلاح البنية السياسية والتشريعية في البلاد، تتركز مطالب الموالاة على تعزيز المكاسب الاقتصادية مع بعض الإصلاحات السياسية المحدودة مع المحافظة على جوهر نظام الحكم وبنيته.