وثيقة شباب «الفاتح» نكتة... وهي أقلّ سقفاً من عرائض العشرينات!
2013-07-10 - 9:56 ص
مرآة البحرين (خاص): طرح «ائتلاف شباب الفاتح» وثيقة تتضمّن جملة من الأفكار التوجيهيّة، يريد أن يقدم من خلالها حلاً لأزمة البحرين. الائتلاف الذي أُعلن عنه في 30 يونيو/ حزيران الماضي على أيدي بعض من الشباب الحالم، يرى أن الحل يكمن في برلمان ونصف مجلس شورى وحكومة يعيّنها الملك، مع «قفشة» صلاحيّات للبرلمان تمنحه بعض التدخل فيها. إنها نكتة كبيرة!
لقد قتل أكثر من 150 شخصاً منذ اندلاع انتفاضة 14 فبراير/ شباط 2011، قضى 4 منهم تحت التعذيب. وهناك المئات من الجرحى بينهم العشرات ممن تم بتر أعضائهم. فيما تردد أكثر من 5 آلاف على السجون بينهم 231 امرأة و1700 سجيناً يرزحون في المعتقلات لغاية الساعة. ووضع قاض دوليّ تقريراً من 600 صفحة حوت أشكال هذه الانتهاكات.
غير أن «ائتلاف شباب الفاتح» يعتقد أن تخفيض مقاعد مجلس الشورى، وإضافة صلاحيات إلى البرلمان، قادرة على حلّ كل ذلك. وفي تعليق طريف، صرّح أحد المؤسسين وهو يعقوب سليس «إن وثيقته التي طرحها كحل للأزمة في البحرين، أعمق من وثيقة المنامة التي طرحتها المعارضة».
لدى تيار «شباب الفاتح» طموح ملحّ لإبراز نوع من «المعارضة» المنضبطة في بيئته السنية. إنه وليد الإحباطات في شارعه. لكنها معارضة تعيد إنتاج طقم الذرائع التي يكررها الحكم لتبرير هيمنته على الدولة، وتركيز السلطة بيد عائلة واحدة.
تقول الوثيقة «إن تيار شباب الفاتح يراعي في مضمونه خصوصية الحالة البحرينية والظروف الإقليمية التي تحيط بها». لكن داخل وهم «الخصوصية»، تتعذر رؤية أي إشارة فيها، حتى إلى مفردات من نوع «الملكية الدستورية» أو «العدالة الانتقالية» أو «الإنصاف والمصالحة». إنها وثيقة مريحة، لا ترى إلى أيّ من العذابات التي يمر بها أحد شركاء الوطن إلا كنوع من النزغ «الفئوي» أو «الطائفي» الذي يجب أن يُلجم وراء طقم من الأفكار المراهقة.
قبال ذلك، نقرأ في الوثيقة مزاعم تتحدث عن «استلهام التاريخ الوطني العريق الذي بدأ في عام 1923 بقيادة الشيخ المناضل عبدالوهاب الزياني والشيخ أحمد بن راشد بن لاحج، مرورًا بالقائد الوطني التاريخي عبدالرحمن الباكر». ما أجمل الكلمات! غير أنها لا تعدو أن تكون محض بلاغة إنشائية استُعيرت للزينة.
للحقيقة التاريخية، يجب أن نقول: إن الزياني وبن لاحج كانا يمثلان مطالب ما عرف بالمجلس التشريعي، أو المؤتمر الوطني، أو البرلمان، أوالحركة الوطنية، أو الجهاد، أو الثورة. وتعدد هذه التسميات، تعبر عن عدم وضوح الرؤية السياسية في ذلك الوقت، كما عن تضارب مصالح المعارضين للإصلاحات البريطانية. والسبب في ذلك، هو أن منشأ هذه المطالب هو القرار البريطاني بعزل عيسى بن علي وفرض الإصلاح السياسي الذي يقتضي تحويل القبيلة إلى سلطة سياسية تدار بطريقة حديثة تستلزم تهديد مصالح كثير من أصحاب التحالفات. والدليل على ذلك أن مطلب تأسيس البرلمان، هو مطلب الشيخ المعزول عيسى بن علي.
لقد بلغ أمر التخبط الناتج عن تحالف المصالح الضيقة إلى الحد الذي تقول فيه مي الخليفة في تأريخها لهذه الحقبة «تقوقعت الحركة الوطنية أو المجلس التشريعي في حدود العرائض، ورفضت تأسيس مطار وإقامة دار للسينما بحجة الإساءة للعادات والتقاليد»، إنه وضع يشبه حال تأسيس تجمع الفاتح وما آل إليه.
لكن لو أردنا أن نأخذ الموضوع على علاته، فإن مطالب الشخصيات المذكورة التي عبّروا عنها في عرائض أو حركات احتجاجية في النصف الأول من القرن العشرين، أرفع سقفاً وطموحاً مما تطرحه وثيقة «تيار شباب الفاتح» في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين. دع عنك جانباً المطالب التي رفعتها هيئة الاتحاد الوطني. فقد طالبت عريضة الزياني وبن لاحج الموجهة إلى الميجر ديلي (1923) بـ«مجلس شورى منتخب»، وحركة الباكر ورفاقه في الهيئة (1954) بـ«تأسيس مجلس تشريعي منتخب». لكن وثيقة شباب الفاتح تتحدث عن «مجلس شورى معين بموجب أمر ملكي» يشاطر المجلس المنتخب مهامّه التشريعيّة. وتقول «يمارس مجلس الشورى صلاحياته في التشريع بالتعاون مع مجلس النواب» كما جاء في نص الوثيقة.
بعد قرن من إصلاحات العشرينيات، يصوّر «شباب الفاتح» مجاهرتهم بمطالب متواضعة أقلّ حتى من المطالب التي رفعتها حركة 1923، كما لو كانت حشداً من «الرؤى العميقة» التي لا يطالها شيء، ولا حتى «وثيقة المنامة»!
لكن إذا كان شطر السلطة التشريعية إلى نصفين، معين ومنتخب، هو زبدة المشروع السياسي «العميق» لائتلاف شباب الفاتح، لم لا يصارح أنصاره إذن، ويفصح بوضوح عن أن «ملهمه» هو الحُكم، بدلاً من التستر وراء شخصيات وطنية وتاريخية! إن شطر مهام التشريع بين غرفة منتخبة وأخرى معينة، هي زبدة مشروع الملك الذي مارس عبره خديعة العام 2002، وتمثل حجر الزاوية في هيمنته على المؤسسة التشريعية. وهي حتماً، ليست أياً من بنات أفكار الحركة الوطنية في العشرينات أو الخمسينات أو قياداتها.
والحال، قد يصلح مشروع «شباب الفاتح» مفتاحاً لحلّ جملة الإحباطات في شارعه المختطف من السلف والإخوان، وقوة جديدة صاعدة حديثاً، هي «تجمع الوحدة الوطنية». لكنّ الأزمة البحرينية قصّة أخرى. إلى هذا المستوى، ينبغي أن يتواضع، حتى لا يتحوّل إلى نكتة صاعدة!